فصل: مسألة ابتاع سلعة على أن لا يبيعها ولا يهبها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة ابتاع طعاما كيلا فحمله إلى بعض البلدان أو حبسه عنده:

قال مالك فيمن ابتاع طعاما كيلا، فحمله إلى بعض البلدان أو حبسه عنده، أو باع منه طائفة كيلا، ثم أراد أن يبيع ما بقي جزافا؛ لأنه لا يدري ما حدث فيه من السرقة أو النقصان، قال: لا يبيعه جزافا حتى يكون هو والمشتري فيه سواء، مثل أن يكون للرجل طعام وقد علم كيله فيخرج منه كيلا كثيرا، وينسى ما أخرج، فلا يدري ما أخرج ولا ما بقي؛ أو يخرج منه جزافا كثيرا لا يدري كم بقي منه، فليبعه جزافا إن شاء؛ فأما أن يخرج من الطعام الكثير إردبا أو إردبين، ثم ينسى ذلك فلا يحفظ، أو يخرج قدر ذلك جزافا كثيرا فلا أرى أن يبيع ما بقي جزافا حتى يبين ذلك للمبتاع؛ لأنه كان يعلم ما فيه، إذ لم يخرج منه إلا نحو هذا.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال لا إشكال فيه؛ لأن بيع الجزاف فيما يتأتى فيه الوزن أو الكيل غرر، إلا أن السنة قد جوزته لمشقة مئونة الكيل أو العدد فيما في عده مئونة؛ وما جاز فيه المجهول، فمن شرط جوازه استواء المتبايعين في الجهل؛ لأنه متى علم أحدهما وجهل الآخر، كان الذي علم قد قصد إلى خديعة الذي جهل؛ إذ لم يعلمه من ذلك أن الجعل الذي يجوز فيه المجهول على طلب الأباق وحفر الآبار، لا يجوز في ذلك المجاعلة إذا كان أحدهما دون الآخر قد خبر الأرض أو عرف موضع العبد؛ ومن ذلك مسألة كتاب الشفعة من المدونة في الرجل يدعي على الرجل حقا في دار، فيصالحه عليه ولا يسميه؛ فقال إن ذلك لا يجوز إلا أن يكونا لا يعرفان ذلك جميعا؛ فإذا أخرج صاحب الطعام من طعامه الذي يعرف كيله جزافا يسيرا أو كيلا يسيرا، ونسي حقيقته؛ فلا يجوز، أن يباع الباقي جزافا، إلا أن يعلمه بما علم من كيله، بقدر الذي ظن أنه أخرجه منه جزافا أو كيلا، حتى يستويا جميعا في المعرفة بقدره؛ فإن لم يفعل وكتمه ذلك لم يجز؛ لأنه وإن لم يعرف حقيقة كيله فهو عالم بقدره، والمبتاع جاهل بذلك؛ والحكم فيه إن وقع حكم الغش، لا حكم البيع الفاسد؛ لأن الفساد فيه إنما هو من أحد المتبايعين وهو البائع، فيكون المبتاع بالخيار بين أن يمسك بجميع الثمن أو يرد؛ فإن فات الطعام، كان عليه قيمة خرص مكيلته؛ إلا أن يكون ذلك أكثر من الثمن الذي اشتراه به، فلا يزاد البائع على الثمن، وقد قال ابن حبيب إن سبيله سبيل العيوب، ومعناه في القيام؛ ولو علم البائع كيل الطعام فقال له المبتاع: أنا أشتريه منك جزافا وإن كنت قد علمت كيله، لكان البيع فاسدا يفسخ على كل حال في القيام، ويكون عليه خرص مكيلته بالغة ما بلغت في الفوات، لاتفاقهما جميعا على الفساد؛ ولو أراد المبتاع أن يصدق البائع في كيل الطعام ويرد مثله، لا نبغي ألا يجوز ذلك على أصولهم كالاقتغاء من ثمن الطعام طعاما، وقد حكى الفضل عن يحيى بن سعيد وسحنون إجازة البيع وهو بعيد.

.مسألة ابتاع سلعة على أن لا يبيعها ولا يهبها:

قال ابن القاسم وسمعت مالكا يقول من ابتاع سلعة على أن لا يبيعها ولا يهبها، قال: لا أحب هذا الشرط يقع في بيع.
قال محمد بن رشد: كره مالك رَحِمَهُ اللَّهُ البيع على هذا الشرط، فقال: لا أحبه، ولم يجب الحكم فيه إذا وقع؛ وقد اختلف فيه وفيما أشبهه من الشروط التي تقتضي التحجير على المشتري فيما اشترى، ولا يوجب غررا ولا فسادا في الثمن ولا في المثمون؛ مثل أن يبيعه الجارية على أن يتخذها أم ولد، أو على أن لا يخرجها من البلد، أو على أن لا يجيزها البحر، أو على أن لا يعزل عنها، أو على إن باعها فهو أحق بها بالثمن الذي يبيعها به؛ وما أشبه ذلك من الشروط على قولين، أحدهما وهو المشهور أن البائع بالخيار ما كانت السلعة قائمة بين أن يترك الشرط أو ينقض البيع؛ فإن فاتت، قيل بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة الأسواق فما زاد، وقيل بالنقصان والنماء فما زاد مضى البيع، وكان على المبتاع القيمة؛ إلا أن يكون بأقل من الثمن، فلا ينقص المبتاع من الثمن شيئا، ولا يكون للبائع عليه في الشرط شيء؛ وقيل إن البيع يمضي إذا فاتت ويرجع البائع على المبتاع بقدر ما نقصه من الثمن بسبب الشرط، وذلك بأن تقوم السلعة بالشرط وبغير الشرط، فيرجع البائع على المبتاع باسم ما بين القيمتين من الثمن؛ ولا يجوز للمبتاع أن يطأ حتى يوقف البائع، فيترك الشرط، ويمضي البيع، وهو تأويل قول عمر بن الخطاب لعبد الله بن مسعود في الجارية التي ابتاعها من امرأته، على أنه إن باعها أحق بها بالثمن؛ وقد قيل تأويل لا يقربها، وفيها شرط لأحد، أي لا يبيعها وفيها شرط لأحد، وهو قول ابن حبيب، والتأويل الأول أظهر؛ لأن ظاهر الحديث أنه إنما سأله بعد أن يبتاعها، لا مستشيرا له في ابتياعها، ففي الحديث حجة لهذا القول.
والقول الثاني: أن حكم هذه البيوع كلها حكم البيع الفاسد، يفسخ على كل حال في القيام، وتكون فيه القيمة بالغة ما بلغت في الفوات؛ والبيع على السلف جائز على هذين القولين، يفسخ على القول الواحد، وإن رضي مشترط السلف بتركه، إلا أن يفوت فيصحح بالقيمة بالغة ما بلغت، ويفسخ على القول الثاني، وهو المشهور ما دام البائع متمسكا بشرطه؛ فإن ترك السلف صح البيع، إلا أن يفوت، فيكون فيه الأكثر من القيمة، أو الثمن إن كان البائع هو مشترط السلف، أو الأقل من القيمة؛ أو الثمن إن كان المشتري هو مشترط السلف؛ وقيل: إنه يكون فيه الأكثر من القيمة أو الثمن، ما لم تكن القيمة أكثر من الثمن والسلف؛ وإن كان البائع هو مشترط السلف، والأقل من القيمة أو الثمن، ما لم تكن القيمة أقل من الثمن بعد أن يطرح منه السلف إن كان المشتري هو مشترط السلف، وهو قول أصبغ؛ وقيل: إنه يرجع مشترط السلف منهما على صاحبه، بقدر ما نقصه بسبب الشرط، وهذا القول يتخرج على قياس ما ذكرناه في بيع الشرط على أحد الأقوال، وقد ذكرنا ذلك في سماع يحيى من كتاب السلم والآجال؛ فهذا حكم هذا الباب، إلا في مسألتين لا يجوز للبائع فيهما إمضاء البيع على ترك الشرط، فيكون حكمها حكم البيع الفاسد، يفسخ في القيام، وتكون القيمة فيه في الفوات بالغة ما بلغت؛ إحداهما: أن يبيع الرجل من الرجل الأمة على أن لا يطأها، فإن فعل فهي حرة، أو عليه كذا وكذا، وما أشبه هذا؛ فهذا يفسخ على كل على حال حكم البيع الفاسد، ولا يكون للبائع أن يترك الشرط من أجل أنها يمين قد لزمت المبتاع، فليس له أن يسقطها عنه على ما يأتي في رسم العشور، من سماع عيسى؛ والثانية: أن يشتري الرجل السلعة بثمن معلوم، ويشترط أحد المتبايعين على صاحبه الخيار فيها إلى أجل بعيد؛ فهذا أيضا يفسخ ولا يكون لمشترط الخيار منهما أن يبطل الشرط، ويمضي البيع؛ لأن ذلك يعد منه تجويز الشرط، لا إبطالا له؛ لأنه يقول: لي الخيار في أن أرد أو أجيز، فأنا أجيز.
وقد روي عن ابن القاسم أنه فرّق بين أن يبيع الرجل الرجل السلعة، على أن لا يبيع ولا يهب، وما أشبهه من الشروط؛ وبين أن يبيعه إياها على أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن، فجعل البيع في الذي باع على أنه أحق بها بالثمن إن باع بيعا فاسدا يفسخ على كل حال؛ وإن رضي البائع بترك الشرط بخلاف الذي يبيع على تلك الشروط؛ وأجاز ابن وهب أن يبيع الرجل العبد على أن يخرجه إلى الشام، ولم يجز أن يبيعه إياه على أن لا يبيعه إلا بالشام، والوجهان على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك سواء؛ وقد روى ابن وهب، وعلي بن زياد، عن مالك في الذي يبتاع الجارية على ألا يبيعها فباعها، أن بيعه ينقض، يريد فيفسخ البيع؛ فلم ير على هذه الرواية البيع فوتا.
وقال سحنون: هو فوت بمنزلة البيع الفاسد؛ لأنه إنما باع ما قد ضمن، فيمضي البيع، ويرجعان فيه إلى القيمة؛ وإذا باع على ألا يبيع إلا من فلان، فهو بمنزلة إذا باع على ألا يبيع؛ وأجاز ابن القاسم البيع على ألا يبيع من فلان في رسم باع شاة، من سماع عيسى، من كتاب الدعوى والصلح، وكرهه أصبغ في الواضحة، واتفقا على كراهة البيع، على ألا يبيع ممن يضر بالبائع؛ وأما البيع على أنه متى جاء بالثمن، فهو أحق به، فليس من هذا المعنى؛ وسيأتي القول فيه في أول رسم، من سماع أشهب.

.مسألة ابتاع سلعة على أنه إن وجد ثمنه قضاه:

قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: من ابتاع سلعة على أنه إن وجد ثمنه قضاه، وإن هلك ولا شيء عنده، فلا شيء عليه وهو في حل؛ قال: ما أحب هذا من الشروط، قال ابن القاسم: فإن وقع هذا الشرط وفات، لزمه قيمتها يوم قبضها.
قال محمد بن رشد: هذا الشرط من الشروط التي يفسد بها البيع؛ لأنه غرر؛ إذ لا يدري البائع هل ينض له الثمن أم لا ينض، فلا يدخل فيه من الاختلاف ما دخل في المسألة التي قبلها، فالحكم فيه أن يفسخ البيع في قيام السلعة شاءا أو أبيا؛ ويصحح في فواتها بالقيمة بالغة ما بلغت، وهو ظاهر قول ابن القاسم، وتفسير لقول مالك؛ إذ قد يقول كثيرا فيما لا يصح عنده ولا يجوز، ويجب فيه الفسخ: لا أحب هذا، وأكره هذا وما أشبهه من الألفاظ، فيكتفي بذلك من قوله، ويتناهى به من فعله، وبالله التوفيق.

.مسألة بيع الجلود قبل أن تذبح:

ومن كتاب أوله سلعة سماها:
وسئل عن بيع الجلود قبل أن تذبح، قال: ما هو عندي بالحرام البين، وما يعجبني ذلك؛ وعسى أن يكون خفيفا، وما هو بالمكروه.
قال محمد بن رشد: هذا كلام متعارض أوله مخالف لآخره، فهو اختلاف من قوله مرة لم يجزه؛ فقال: ما يعجبني، وما هو عندي بالحرام البين، وهو نص قول ابن القاسم في العشرة؛ فعلى هذا القول يفسخ البيع إن وقع، فإن فات بقبض المشتري للجلد، وفواته عنده بما تفوت به البيوع الفاسدة صحيح بالقيمة؛ ومرة أجازه فقال: ما هو بالمكروه، وعسى أن يكون خفيفا؛ وهو دليل قوله في المدونة في السباع إن كانت تشترى وتذكى لجلودها، فلا بأس به؛ فعلى القول ألا يفسخ البيع إن وقع؛ وإن كره البائع ذبح الشاة أو البقرة، وأراد استحياءها؛ يخرج ذلك على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك ليس له، ويجبر على الذبح. والثاني: أن ذلك له، ويعطي المشتري شراء الجلد أو قيمته. والثالث: أن ذلك له، ويكونان شريكين فيها بقيمة الجلد من جميع قيمتها، ولا يكون له أن يعطي المشتري شراء الجلد أو قيمته إلا برضاه.
وقد روي عن ابن القاسم: أن البيع يفسخ، إلا أن يفوت الجلد فلا يفسخ، فجعله على هذا القول من البيوع المكروهة للاختلاف فيه؛ وقد اختلف في البيع المكروه إذا وقع كالزرع يباع إذا أفرك قبل أن ييبس، فقيل: إن العقد فيه فوت، وقيل: إن اليبس فيه فوت. وقيل: إن القبض فيه فوت.
وقيل: إنه لا يفوت إلا بفواته بعد القبض؛ فكل هذه الأقوال تدخل في شراء الجلود قبل أن تذبح، ويتحصل فيها ستة أقوال؛ أحدها: أن شراءها جائز. والثاني: أن شراءها مكروه، وإن وقع مضى بالثمن. والثالث: أن شراءها مكروه ويفسخ، إلا أن يذبح البائع الشاة، فيمضي البيع بالثمن. والرابع: أن شراءها مكروه ويفسخ، إلا أن يقبض المبتاع الجلد بعد ذبحه، فلا يفسخ ويمضي بالثمن. والخامس: أن شراءها مكروه ويفسخ، إلا أن يقبض المبتاع الجلد، ويفوت عنده، فلا يفسخ ويمضي بالثمن. والسادس: أن شراءها لا يجوز ويفسخ، فإن قبض المشتري الجلد، وفات عنده صحح بالقيمة؛ ولو اشتراها على أنه بالخيار فيها إذا ذبحها ونظر إليها؛ لجاز إن لم ينقد، قاله مالك في كتاب ابن المواز، وهو صحيح على أصوله.

.مسألة النخاسين الذين يبيعون الرقيق والدواب:

وسئل عن النخاسين الذين يبيعون الرقيق والدواب، يأتي الرجل إليهم، فيسوم أحدهم بالرأس أو بالدابة، فيقول له السائم بثلاثين دينارا، أو بعشرين دينارا، فيماكسه حتى يقف على ثمن لا يزيده على هذا الكلام، ولا يقول له البائع: إن رضيت فخذ، ولا يزيد على أن يقول: هي بكذا وكذا دينارا؛ فيقول السائم: اذهب بها فاستشير فيها؛ فيقول: نعم، فاذهب بها واستشر فيها، ولا يزيده السائم على ذلك من القول، فيرضى بها فيأتيه بالثمن؛ فيقول البائع: قد بدا لي وما كان بيني وبينك إلا مساومة، أو يقول: قد زيد عليه فيها، فبعتها من غيرك؛ قال مالك: لا أرى ذلك له، وأراه بيعا نافذا عليه إن رضيه الذي ساومه، وليس له أن ينزع عن ذلك؛ وإني لأرى هذا يدخله ما نهي عنه ألا يبيع أحدكم على بيع أخيه، فلا أرى له رده، وأراه بيعا لازما إن رضيه، والثوب مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بيّنة المعنى، ليست بخلاف لما في كتاب بيع الغرر من المدونة، ولا لما في سماع أشهب من هذا الكتاب، ومن كتاب البيوع؛ لأن قول البائع فيها للمبتاع: اذهب بها فاستشر فيها، دليل على أنه قد أوجب البيع على نفسه، وجعل الخيار فيه للمبتاع، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة، في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب العيوب، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك.

.مسألة الثمر تباع وزنا فيطول ذلك عليهم:

وسئل عن الثمر تباع وزنا فيطول ذلك عليهم، فيقول البائع: إن الوزن يطول علينا، وفي الويبة كذا كَذا رطلا، فخذ أكل لك بها، وأحاسبك على الأرطال؛ قال: إن كان ذلك مستقيما معروفا عند الناس، فلا بأس بذلك، قلت: فالرجل يبتاع بالويبة الطعام المضمون إلى أجل، فلا يحل حقه حتى يأتي وأبى، فيحدث ويبات أخر، وتغيب تلك الويبات، فيقول له الرجل: تعال أكل له بهذه الويبة المحدثة، والذي بينهما معروف، إنما زيد فيها كذا وكذا، فيكيل له ويحاسبه بفضل ما بينهما؛ قال: إن كان ذلك أمرا معروفا، فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: هاتان مسألتان صحيحتان بينتا المعنى، أجاز في الأولى منهما أن يأخذ ما وجب له من الوزن بالكيل إذا كان معروفا عند الناس ما يدخل في الكيل من الوزن، وكان الكيل أخف عليهم من الوزن، كما أجاز في المدونة أن يأخذ ما وجب له من الكيل بالوزن إذا كان ما يدخل في الوزن من الكيل معروفا لا يختلف، وكان الوزن أخف عليهم من الكيل؛ فلا إشكال في جواز ذلك؛ إذ لا غرر في انتقالهم عن الوزن إلى الكيل، ولا عن الكيل إلى الوزن، إذا عرف قدر كل واحد منهما من صاحبه؛ وكذلك ما العرف فيه أن يباع بالمكيل، فجائز أن يشتري بالوزن إذا كان يعرف الكيل من الوزن؛ وما العرف فيه أن يباع بالوزن، فجائز أن يبتاع بالكيل إذا كان يعرف الوزن من الكيل، وإن كان لا يعرف ذلك فلا يجوز، وهو قول أشهب في كتاب البيوع الفاسدة من المدونة، ولا اختلاف فيه؛ وأما المسألة الثانية فإنها أبين؛ لأنه إنما انتقل من كيل إلى كيل، فإذا عرف ما بين الكيلين، جاز أن يقتضي بكل واحد منهما ما وجب من الآخر، ويحاسبه بما بينهما؛ كمن وجب له على رجل كيل، فلم يجد عند القضاء إلا ربع كيل، فجائز له أن يأخذ حقه به، فيكيل له منه أربعا.

.مسألة يبيع نصف الوصيفة أو نصف الدابة من الرجل ويشترط عليه نفقتها سنة:

وسئل عن الرجل يبيع نصف الوصيفة، أو نصف الدابة من الرجل، ويشترط عليه نفقتها سنة، وأن له عليه إن ماتت الدابة أخذ ذلك منه؛ فإن باعها أو ماتت، فذلك له عليه ثابتا: وإن بقيت إلى ذلك، فهو حقه استوفاه منه؛ فلا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة على نصها في رسم خلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب السلطان، ووصل بها أن سحنون أنكرها؛ والمعنى عندي في مخالفة سحنون لمالك فيها، أن مالكا محل قوله: وأن له عليه- إن ماتت الدابة- أخذ ذلك منه ثابتا على أنه يأتيه في كل يوم من الطعام، مما كان ينفق عليها، إلى أن تنقضي السنة، فأجاز ذلك؛
إذ لا وجه للكراهة فيه على هذا الوجه؛ لأنه باع منه نصف الوصيفة، أو نصف الدابة بثمن مسمى؛ ونفقة معلومة يستوفيها في كل يوم إلى انقضاء السنة؛ كانت الوصيفة أو الدابة باقية أو لم تكن؛ لأن العرف فيها كالصفة لها على ما في المدونة وغيرها من إجازة استئجار الأجير بالنفقة، وإن لم توصف؛ وحمل سحنون قوله أخذ ذلك منه على أنه يأخذ منه إن ماتت الدابة أو الوصيفة ما بقي من النفقة حالا أو قيمة ذلك، فأنكر جوازه لما فيه من الغرر على هذا؛ ولو وقع الأمر على أحد الوجهين بنص، احتمال فيه، لارتفع الخلاف؛ ولو باع منه نصف الوصيفة، أو نصف الدابة واشترط عليه نفقتها سنة، ولم يزيدا على ذلك، لوجب أن يجوز ذلك على معنى ما في المدونة في الرجل يبيع من الرجل نصف الثوب أو نصف الدابة، على أن يبيع له النصف الآخر إلى شهر؛ وعلى ما في أول رسم البراءة، من سماع عيسى، بعد هذا من هذا الكتاب؛ فإن ماتت الدابة أو الوصيفة قبل السنة، رجع البائع على المبتاع في قيمة النصف الذي باعه منها يوم باعه، لفواته بالموت بقدر ما يقع ما بقي من النفقة من جميع الثمن؛ لأن البائع باع نصف الوصيفة بما سمى من الثمن، وبالنفقة على نصفها الذي لم يبعه في السنة ديناران؛ فأنفق عليه نصف السنة، ثم ماتت، وجب أن يرجع البائع على المبتاع بنصف سدس قيمة النصف الذي باعه منها يوم باعه؛ لفواته بالموت، كان أقل من دينار أو أكثر.
كما لو باع منه نصف الجارية بعشرة دنانير، وعرض قيمته ديناران، فاستحق نصفه؛ لأن ما بطل من النفقة بموت الوصيفة كاستحقاق بعض الثمن وهو عرض؛ وقد قيل: إنه لا يرجع عليه بشيء، وهو الذي يأتي على ما في العشرة لابن القاسم، في الذي يبيع الأمة وقد أعتق ولدا لها صغيرا، فاشترط نفقته على المشتري حتى يثغر، ويستغني عن أمه، فيموت قبل ذلك، أن المشتري لا يتبع بشيء؛ لأنه إنما أريد بهذا الشرط كفاية مئونة الصبي، ولم يطالب به التزايد في الثمن، وهو بعيد.

.مسألة يقف بجاريته أو بغلامه في السوق فيبيعه بثمن:

وسئل عن الذي يقف بجاريته أو بغلامه في السوق، فيبيعه بثمن، ونقد أصحاب الرقيق المثاقيل؛ فإذا وجب البيع بينهما، قال له المشتري: تعال أنقدك، قال: ما هو؟ قال: نقد الرقيق المثاقيل، قال: ما بعتكها إلا بالقائمة، قال مالك: ما أرى له إلا المثاقيل، ولو شاء لبين قبل أن يبيع، وأرى هذا ندما منه، يبيع ثم يقول: إنما بعت بوزن كذا وكذا، فقال له رجل: إن الرجل ربما باع بالقائمة؛ قال: لا ينظر إلى الرجل الخاص، فيحمل عليه أمر الناس، ولكن يعملان على ما يتبايعون عليه، ولو شاء لبين.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال؛ لأن العرف كالشرط؛ ولو ادعى المبتاع أنه بالقائمة شرط على البائع، ألزمت البائع اليمين أنه ما شرط عليه شيئا، فإن نكل عن اليمين، حلف المبتاع وأخذ القائمة، ولو اختلفا فقال البائع: إنما بعتك بالقائمة نصا وشرطا، وقال المشتري: إنما اشتريت منك بالمثاقيل نصا وشرطا؛ لكان القول أيضا قول المشتري الذي ادعى نقد الرقيق، ما حكى ابن حبيب في الواضحة. وقوله يأتي على مراعاة دعوى الأشباه في القيام، وهو خلاف المشهور في المذهب.

.مسألة يشتري الصبرة من الطعام جزافا بمائة دينار:

ومن كتاب أوله شك في طوافه:
وسئل مالك عن الرجل يشتري الصبرة من الطعام جزافا بمائة دينار، على أن يعطيه بخمسين دينارا شعيرا من صبرة أخرى، عشر أرادب بدينار؛ فكره ذلك؛ فقيل له: أفترى أن ينهوا عن ذلك؟ فقال: نعم، أرى أن ينهوا عن ذلك؛ قال ابن القاسم: لأنه بيع الجزاف والكيل جميعا، وهو من قول مالك.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في أول رسم من سماع عيسى، ووجه القول في هذا أن بيع الجزاف الأصل فيه أن يباع كيلا أو وزنا رخصة وتوسعة، أجازته السنة، فلا يجوز أن يباع مع مكيل في صفقة واحدة؛ لأن ذلك غرر، وخلاف لما أجازته السنة، اتفق على هذا مالك وجميع أصحابه اتفاقا مجملا، وفي ذلك تفصيل؛ أما ما الأصل فيه أن يباع كيلا أو وزنا من جميع الأشياء، فلا يجوز بيعه جزافا مع مكيل منه، ولا مما الأصل فيه أن يباع جزافا كالأرضين والثياب؛ وكذلك الجزاف مما أصله أن يباع جزافا، لا يجوز بيعه مع المكيل منه، اختلف في بيعه جزافا مع المكيل، مما أصله أن يباع كيلا؛ فأجاز ذلك ابن زرب، وأقام إجازته من السلم الأول من المدونة؛ لأنه أجاز فيه أن يسلم في ثياب وطعام صفقة واحدة؛ ومنع من ذلك غيره مع المتأخرين، وما ذهب إليه ابن زرب هو الصحيح؛ ولا خلاف في جواز بيع الكيلين في صفقة واحدة، والجزافين في صفقة واحدة، ولا في جواز بيع الجزاف مع العروض في صفقة واحدة؛ إلا عند ابن حبيب؛ فإنه ذهب إلى أن الجزاف مما أصله أن يباع كيلا أو وزنا، لا يجوز بيعه مع العروض في صفقة واحدة، وهو بعيد؛ وسيأتي في رسم البيع والصرف، من سماع أصبغ القول في بيع الجزاف والجزافين على الكيل، وما يجوز من ذلك مما لا يجوز، فهو موضعه إن شاء الله تعالى.

.مسألة المجذوم المملوك يبيعه صاحبه:

وسئل مالك عن المجذوم المملوك، أترى أن يبيعه صاحبه؟ قال: لا بأس بذلك، قيل له: أفيكاتبه؛ قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن جذامه لا يخرجه من ملك سيده أن يبيعه وأن يكاتبه؛ وإن لم يقدر على الكسب إلا بالسؤال، فقد أجاز في المدونة أن يكاتب الرجل عبده الذي لا حرفة له، إلا ما يسأل، فيتصدق به عليه؛ وإنما وقع السؤال عن هذا القول من يقول من أهل العلم: إن أهل البلايا الذين لا منفعة لساداتهم فيهم، يجب عتقهم عليهم؛ كما يعتق على الرجل أمته إذا حملت منه، وهي من ذوات محارمه؛ إذ لا منفعة له فيها بوطء ولا استخدام؛ والفرق بين الموضعين عند مالك، أن الإيلاد شبهة عتق كانت من سببه، حرم بها على نفسه استخدامها، فوجب أن يعتق عليه؛ بخلاف المجذوم الذي لا يقدر على الخدمة بسبب جذامه الذي هو مرض من الأمراض من عند الله لا سبب له فيه.

.مسألة يشتري أهل السوق من الرطب من أهل الجفان من النخل:

وسئل مالك عما يشتري أهل السوق من الرطب من أهل الجفان من النخل، أترى به بأسا؟ وعن العنب الحصرم، وعن الرمان الأخضر والتفاح، وكل ذلك لم يطب، باع على أن يقطع؛ قال: لا بأس بذلك، وإنما كرهت النقش هاهنا؛ لأن ذلك مضر بالناس، وقد «نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيع حاضر لباد»؛ لضرر ذلك على الناس، وأن يتلقوا السلع؛ فكل ما أضر بالناس مثل هذا، فأرى أن يمنعوا إلا الأمصار؛ فإن فاكهتهم كثيرة، ولا أرى به بأسا.
قال محمد بن رشد: سؤاله عما يشتري أهل الأسواق من الرطب من أهل الجفان من النخل، سؤال فيه التباس، لتقديم وتأخير وقع فيه، وتقديره وسئل عما يشتري أهل الأسواق من الرطب من الجفان من أهل النخل، يريد هل يجوز أن يخرج أهل السوق إلى الحوائط فيشترون من أهل النخل الجفان من الرطب؟ فأجاز ذلك، ولم يره من التلقي الذي ورد النهي فيه، عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، ومثله في هذا الرسم، من هذا السماع، من كتاب السلطان، وهو قوله في سماعه منه؛ قال: لا بأس بذلك؛ لأنه إنما اشترى بموضعه، وإنما التلقي أن يلتقي الجلاب بالسلع؛ فهل أن يهبط بها إلى الأسواق، كان ذلك الجلاب طعاما أو غيره؛ خلاف روايته عن مالك في السماع المذكور أن ذلك من التلقي؛ وأما شراء عنب الحصرم والرمان الأخضر والإجاص والتفاح وسائر الثمار، قبل أن تطيب على أن تقطع، فلا خلاف في جواز ذلك، وقد مضى القول فيه في أول رسم من هذا السماع؛ إلا أنه كره ذلك فيما عدا الأمصار القليلة الثمار، فأحب أن يمنع من ذلك رفقا بأهل ذلك المكان، ونظرا لهم.
كما يمنع من بيع الفتايا من البقر القوية على الحرث للذبح، نظرا للعامة، وصلاحا لهم؛ وكما كره النقش بالمدينة، نظرا للعامة؛ إذ فيه فساد للثمرة، وذلك ضرر بهم؛ فوجب أن ينظر في ذلك لهم قياسا على ما نهى عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تلقي السلع، ومن أن يبيع حاضر لباد؛ لأن المعنى في ذلك، الرفة بأهل الحاضرة، والنظر لعامتهم؛ والنقش الذي كرهه، أن يؤثر في البشرة أثرا كالجرح، فيسرع إليها الترطيب قبل أوانه، وذلك من الغش، إن لم يبين، ومع التبيين كرهه مالك، لما فيه من إفساد الثمرة، ورأى أن يمنع أهل الحوائط من ذله، وأن يبينوا، نظرا لعامة الناس.

.مسألة التين يباع كيلا أو وزنا وهو أخضر:

وسئل مالك عن التين يباع كيلا أو وزنا وهو أخضر، فيريد أن يبدله من صاحبه بغيره قبل أن يقبضه، قال: لا خير فيه، قلت: فالبطيخ يباع كذلك، أترى أن يبدل بغيره؟ قال: هو مثله لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه أراد أن يبدله بأكثر من صنفه أو من غير صنفه، أو بمثله من غير صنفه، فذلك لا يجوز؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى، ولو أبدله بمثله من صنفه قبل أن يقبضه لجاز؛ لأنه بدل المثل بالمثل، ولو قبضه لجاز بدله بغير صنفه أكثر أو أقل، ولا يجوز بصنفه إلا مثلا بمثل؛ فأما البطيخ، فيجوز إذا قبضه أن يبدله بصنفه وبغير صنفه متفاضلا باتفاق؛ لأنه مما لا يدخر أصلا، وكذلك سائر الفواكه التي كانت لا تدخر إلا نادرا على المشهور في المذهب؛ لأن ابن نافع لا يجوز التفاضل في الصنف الواحد من الطعام، وإن كان لا يدخر إلا نادرا.
وكذلك لو قبض بعض ما اشترى منه من التين، ثم أراد أن يأخذ بالبقية غير التين، أو صنفا آخر من التين أقل أو أكثر، لم يجز على ماله بعد هذا في أول رسم حلف؛ ولو أراد أن ينتقل من صنف إلى صنف آخر، قبل أن ينبرم البيع بينهما، وهما في حال التراوض؛ لجاز على ما يتأول عليه ما وقع في أول رسم من سماع أشهب، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى رسم القبلة، ورسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه، من سماع ابن القاسم، من كتاب الصرف، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك، وبالله التوفيق.

.مسألة الشجرة تطعم بطنين في السنة:

ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة:
قال: وسئل مالك عن شجرة تطعم بطنين في السنة، بطنا بعد بطن، أفترى أن يباع البطن الآخر مع البطن الأول؛ قال: لا يباع كل بطن إلا وحده.
قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك هذا، أنه لا يجوز أن يباع البطن الآخر مع البطن الأول، وإن كان النبات متصلا، لا يتم البطن الأول حتى يبدأ طيب البطن الثاني، وهو على قياس ما تقدم من قوله في أول رسم من هذا السماع؛ وقد روى ابن نافع، عن مالك: أنه يجوز أن يباع البطن الآخر مع البطن الأول، إذا لم يكن بينهما فترة، كان لا ينقطع الأول حتى يدركه الثاني؛ وهو مثل ما يأتي في رسم طلق من هذا السماع، في مسألة الجميز؛ وقد مضى في أول رسم من هذا السماع تحصيل القول في هذه المسألة؛ لأن البطنين في الثمرة الواحدة كالجنسين في الصنف الواحد.

.مسألة يشتري أصنافا من الثمر في صفقة واحدة:

وسئل مالك عن الرجل يشتري أصنافا من الثمر في صفقة واحدة، فيريد أن يولي صنفا منها، ويحبس ما بقي؛ قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: قال بعض أهل النظر في هذه المسألة: القياس ألا يجوز أن يولي صنفا من الثمر إلا بعد المعرفة بما يقع عليه من الثمن، وإنما استخفه من أجل أن التولية معروف، وليست على وجه المكايسة؛ والصحيح ألا فرق في هذه المسألة بين التولية والبيع؛ لأن ما يصيب الصنف المولى من الثمن، لا يعلمه المولي من الثمن ولا المولى، والجهل بالثمن في التولية إنما يجوز إذا علمه المولي وجهله المولى، وكان الخيار له على وجه المعروف؛ ولو ولاه على الإلزام له، وهو جاهل بالثمن، لم يجز؛ لأن ذلك هو وجه المكايسة إلا بعد معرفتهما جميعا بالثمن، فإذا ولاه صنفا من الثمر بما ينوبه من الثمن، وجب ألا يجوز، وإن كان على وجه المعروف، وعلى أن المولي بالخيار من أجل أن المولى قد وجبت عليه التولية، وهو جاهل بالثمن؛ فإجازته التولية في هذه المسألة إنما يخرج على القول بجواز جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ لأن جملة الثمن معروف، وما يقع لكل سلعة منها لا يعلم إلا بعد التقويم؛ وكذلك هذه المسألة جملة ثمن جميع الثمر معروف، وما يقع للصنف المولى منها لا يعرف إلا بعد التقويم، فالاختلاف في جواز جمع الرجلين سلعتيهما في البيع، وفي كون المستحق من يده جل ما اشترى من السلع على العدد، مخيرا فيما بقي منها بين أن يمسكها بما ينوبها من الثمن، أو يرد ما يدخل في تولية صنف من الثمر بما ينوبه من الثمن قبل التقويم، وفي بيعه بما ينوبه من الثمن قبل التقويم دخولا واحدا؛ وهذه مثل مسألة كتاب الشفعة من المدونة في الذي يجب له الشفعة، فيصالحه المشتري على أن يأخذ بيتا من الدار بما ينوبه من الثمن.